قدر لكل فرد أن يواجه موت شخص حميم له (أب,أم,زوجة,أبن,صديق) في فترة ما من حياته,قد تكون مرت,وقد تكون منتظرة.
وهذه المواجهة مؤلمة,وتعد أكثر مآسي الحياة وأشقها على النفس,وقد تؤدي الى مخاطر كثيرة,كإصابة المكروب (من فقد عزيز) بأعراض مرضية (بدنية أو نفسية) مختلفة,وقد تصل خطورتها الى وفاته أو محاولته الانتحار.
هذا بالإضافة الى اللاتوافق النفسي الاجتماعي الذي يعانيه المكروب فترة طويلة بعد وفاة من يحب,فقد تصل الى عدة سنوات,فوفاة شخص عزيز حدث:
أ- مفاجىء الشيوع,فلاينجو منه أحد.
ب- مفاجىء يأتي بغتة,فلا يتهيأ – انفعالياً – لاستقباله أحد.
ج- يترتب عليه مدى واسع من الآثار الجسمية والنفسية والاجتماعية,وتمتد معاناة المكروب من هذه الآثار لشهور,وربما لسنوات.
لكل ماسبق فإن تناول الحزن بالدراسة أمر شديد الأهمية,فمن خلال هذه الدراسة يتم نشر ثقافة التعامل مع الحزن بين أفراد الجمهور العام,وكذلك يتم تبصيرهم بالقواعد المنظمة لعملية التخفف من الحزن بشكل يمكنهم من :
أ- اتباع السبل الملائمة للتغلب على أحزانهم الخاصة.
ب- معرفة الأساليب الأكثر فعالية لمساعدة الآخرين في التخفف من أحزانهم.
ج- تجنب ماينجم عن المحاولات الذاتية التلقائية,أو تلك التي يقوم بها الآخرون,من أثار سلبية قد تعوق عملية التخفف.
ونظراً لأهمية هذا النوع من الدراسات,ونظراً لما تحققه من مزايا,يتزايد اهتمام علماء النفس الغربيين بها.
وفي الوقت الذي لم يلتفت – في حدود المعلومات المتاحة لنا – علماء النفس المصريون والعرب الى هذا الموضوع,على الرغم من تناول الفلاسفة المسلمين له,والذي لم يقتصر على مظاهره واسبابه.ومع ذلك لم يتناول المحدثون من علماء النفس العرب هذا الموضوع,والتساؤلات التي تطرح نفسها على ذهن القارىء وتستحثه للبحث عن إجابة لها هي:
1- ماهي عواقب المبالغة في الحزن (الأسى)؟.
2- ماهي العوامل التي تزيد شدة الحزن؟
3- متى وكيف يتم التخفف من الحزن؟
أولاً: عواقب الأسى:
1- الاكتئاب: تؤكد البحوث أن وفاة شخص عزيز تولد شعوراً بالاكتئاب,إذ يعاني ثلث الأرملات من الاكتئاب الشديد لمدة تصل الى شهرين بعد وفاة أزواجهن,وأن خمسهن يعانين منه لمدة عام,وتشير البحوث الى أن وفاة ابن تحدث اسى أكثر شدة.وبالتالي عواقب أكثر ألماً – بالمقارنة بوفاة زوج أو أب.
2- ترتبط وفاة شخص عزيز بزيادة معدل الشكاوى البدنية (مثل :آلام المعدة والظهر وفقدان الشهية وعسر الهضم وعم انتظام ضربات القلب والأرق).
والتنفسية (اختلال الإحساس بالواقع والخداع الحسي والإحساس بالفشل واللاتوافق النفسي والاجتماعي ومحاولة الانتحار).
3- وكل هذا يؤدي الى ضعف البناء الاجتماعي ويحدث مزيداً من المشكلات التوافقية,سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي,ومع ذلك فإن لإنفعال الأسى مزاياه,إذ يمكن الفرد من إصدار سلوك لايجرؤ عليه في الظروف العادية مثل الإفصاح عن مشاعره بشكل علني أو الغياب عن العمل (الدراسة) أو تلقى العون من الآخرين,وإن كانت لهذا الانفعال حدوده أو قيوده,إذ يجب أن تناسب شدته الموقف,فلاتكون ضعيفة جداً أومبالغ فيها,فعلى سبيل المثال يؤدي عدم حزن الزوجة الحزن المناسب (كما يتوقعه الآخرون) لوفاة زوجها الى التشكيك في وفائها له,كما يؤدي مبالغتها في الحزن,أو إطالة مدته أكثر مما يلزم,الى اعتبارها "حالة هيسترية" وبالإضافة الى مزايا الأسى وحدوده,فإن له التزامات,تختلف من مجتمع لآخر,ومن عمر – للمكروب – لآخر,ومن فجيعة – وفاة زوج أم ابن جار – لأخرى,فلكل من الحالات السابقة ضروب سلوكية معينة تعارف عليها المجتمع.
ثانياً: العوامل التي تسهم في تحديد حجم الأسى,ارتفاعاً وانخفاضاً:
من هذه العوامل :
أ- عوامل المكروب مثل :
1- العمر
2- النوع
3- المكانة الاقتصادية والاجتماعية
4- سمات شخصية المكروب
5- الحالة الصحية قبل الفجيعة
ت- السياق الاجتماعي مثل :
1- الأزمات المتزامنة
2- البناء الاجتماعي
3- التصورات السائدة حول الموت
ث- ظروف الوفاة مثل:
1- الموت المفاجىء
2- كيفية العلم بالوفاة
ثالثا: متى وكيف يتم التخفيف من الأسى؟
أ- تستغرق عملية التخفف مابين عام الى عامين,وهذا التخفيف يتم تلقائياً,ومن الممكن تقليل هذا الوقت والإسراع بإيقاع التخفيف من خلال الكشف عن العناصر الفعالة التي تيسره,فيتم الحفاظ عليها,وتلك التي تعوقه واستبعادها.
ب- تكشف البحوث عن عدد من الأساليب المفترض فعاليتها في التخفف من الأسى,ومنها:
1- الإفصاح عن المشاعر,أي أن يعبر المكروب عن انفعالاته الإيجابية منها والسلبية – نحو الفقيد – حتى لايصبح الأسى مزمناً.
2- المساندة الاجتماعية ,ويقصد بها أي عون أو مساعدة يقدمها الاخرون للمكروب وتشعره بالراحة,سواء كانت لفظية كالتعليقات على شكوى المكروبين,أو غير لفظية كنبرة هذه التعليقات وتعبيرات الوجه والإيماءات وماتعكس من تجارب انفعالى وتعاطف مع المكروب,أو كانت المساعدة أدائية كزيارته (مدة الزيارة ومعدلها) والإسهام في حل المشكلات الناتجة عن الفجيعة.
3- التخلي عن المظاهر الحدادية,ويعد أكثر الأساليب التخفف فعالية,فالإلتزام بهذه المظاهر يزيد الحزن والتخلي عنها يقلله,حيث توجد علاقة بين طقوس الحداد ومشاعر الحزن كما سبقت الإشارة,وتلعب الضغوط الاجتماعية – من الأهل – دوراً بارزاً في مساعدة المكروب على التخلي عن الطقوس الحدادية.
4- الاقتداء من خلال مقارنة المكروب أحزانه بأحزان الآخرين والاستفادة بخبراتهم في التخفف.
5- إدراك الجوانب الإيجابية في الموقف وكما أشار القرآن الكريم (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة /216).
6- الممارسات الدينية ,فقد تبين أن لقراءة القرآن الكريم دوراً كبيراً في تقليل الحزن الناتج عن وفاة عزيز.
7- الاستبدال كأن تستبدل الأرملة دورها كامرأة عاملة بدورها كأرملة,ودورها كأم بدورها كزوجة.
8- تقليص الروابط الوجدانية مع الفقيد تدريجياً,ويتم ذلك بواسطة تجنب التحدث عنه مع الآخرين وتجنب وضع مايذكر المكروب به في تناول اليد كمتعلقاته الشخصية أو صوره,إذ تعد مهيجات للأسى